فى خلال 48 ساعة الماضية إنتشرت العديد من الأخبار عن بنك سيليكون فالي الذي تم إغلاقه من قبل هيئة تأمين الودائع الفيدرالية FIDIC.
يشبه البعض هذه الكارثة بانهيار بنك Lehman brothers فى 2008.
لكن قبل التهويل، دعونا نجيب عن بعض الأسئلة.
ما هو بنك سيليكون فالي ؟
Silicon Valley Bank أو SVB هو بنك تجاري متخصص لخدمة الشركات التقنية الناشئة وشركات رأس المال الاستثماري و تم إنشاءة فى 1983.
كان بنك Silicon Valley صغير لا ينافس ولا يضاهي العملاقة مثل Jp Morgan و غيرهم.
لكن كل هذا تغيير في بداية 2000 !
فمع بداية 2001 و بعد فقاعة دوت كوم بدأت تظهر الشركات التقنية الناشئة و التى كانت تتخذ من سيليكون فالي مقراً لها.
كان بنك سيليكون فالي طوق النجاة لهذه الشركات، فالعديد من الشركات التقنية التي يتم إنشاؤها بمبدأ التوسع السريع تواجه صعوبة في إيجاد شريك مصرفي وذلك بسبب المخاطر التى تحوم حول هذه الشركات.
و هنا يأتى دور بنك سيليكون فالي الذي كان يعد قبلة للشركات الناشئة وشركات رأس المال الاستثماري.
فوفقاً للبنك 44% من الشركات الناشئة المدعومة برأس المال الإستثماري تستخدم بنك سيليكون فالي.
هل كان بنك سيليكون فالي فاشل؟
لا، فبالنظر الى الرسم البيانى أدناه يمكننا التعرف على أداء البنك.
فعلى مدار الـ20 سنة الماضية عاصر البنك فترة ازدهار غير مسبوقة.
ففى بداية 2001 كان يحتل بنك سليكون فالي المرتبة 143 فى ترتيب الفيدرالي الأمريكي للبنوك الأمريكية من حيث إجمالي الأصول.
لكن فى خلال 20 سنة إستطاع بنك سيليكون فالي القفز للمرتبة 14 و مضاعفة أصوله بأكثر من 52 ضعف.
ليس هذا فقط !
فبالنظر إلى الفترة من 2017 حتى 2021 نرى أن إجمالى الأصول تضاعف بأكثر من 400%.
إذن ما هو سبب الإنهيار لبنك سيليكون فالي ؟
فى الحقيقة يمكننا ملاحظة بداية المشكلة فى 2022.
فإذا نظرت إلى إجمالي الأصول في البنك خلال الـ 20 سنة الماضية ستري أن البنك كان يشهد متوسط زيادة بنسبة 25% كل عام فى إجمالى الأصول.
لكن إذا نظرت إلى 2022 ستجد أن إجمالى الأصول لم يزيد.
و هنا كانت بداية المشكلة.
فبالنظر الى اجمالي الاصول التى كان يمتلكها البنك فى 2022 على مدى ربع سنوي نرى أنه في الربع الأول كان يمتلك البنك 217 مليار دولار و مع نهاية العام انخفضت أصول البنك إلى 209 مليار.
2022 كانت بداية التضخم و تأثر الاقتصاد الأمريكي.
ففي 2022 شهد السوق الأمريكي أعلى نسبة تضخم منذ أكثر من 40 عام.
أثر ذلك على العديد من القطاعات في السوق الامريكية و ابرزها الشركات الناشئة و الشركات التقنية.
فبداية من العملاقة مثل فيسبوك التي تخلت عن 11 الف من موظفيها و امازون التى تخلت عن 18 الف من موظفيها إلى الشركات الناشئة التي اضطرت لفصل العديد من موظفيها و اللجوء لاستخدام الاحتياطي النقدي.
كان ذلك السبب في قيام العديد من الشركات بسحب أموالها من البنوك للتأقلم مع الأوضاع الاقتصادية.
لا توجد مشكلة، في البنوك تمتلك أموال المودعين … صحيح ؟!
لا، معظم البنوك العالمية تعمل على نظام الإحتياطي المجزأ بمعنى أنها لا تحتفظ بكل أصول مستخدميها سائلة بل تستخدمها فى الإستثمار في أدوات إستثمارية قليلة المخاطر.
و هذا ما فعله بنك سليكون فالى الذي إستثمر المليارات فى السندات.
تعتبر سندات إستثمار آمن و ذلك لأنها تقدم عوائد مستقرة مع مخاطر قليلة.
لكن المشكلة أنه كرد على التضخم قام الفيدرالي برفع الفائدة لمكافحة التضخم.
لم يكن رفع الفائده بسيط، بل كان كبير لدرجة أنه وصل لاعلى مستوى منذ 2006.
تكمن المشكلة في أنه مع زيادة عمليات السحب من مودعى البنك، إضطر بنك سيليكون فالي أن يبيع البعض من سندات الخزانة التى يمتلكها.
لكن زيادة نسب الفائدة أدى الى خفض قيمة السندات.
لذلك عندما قام البنك ببيع السندات بخسائر لكي يستمر في تسديد عمليات السحب، تكبل خسائر تقدر بـ 1.8 مليار دولار.
كل هذا كان كارثة لكن القشة الاخيرة كانت عندما أعلنت إدارة البنك التى أعلنت فى 8 مارس انها تعمل على بيع ما قيمتة 2.5 مليار من أسهمها لتمويل البنك.
كان هذا الخبر كفيلاً بنشر الهلع فى السوق.
فبعد ذلك بدأت الشركات بالاندفاع لسحب أموالهم من البنك و بدأ المودعين بالاصطفاف أمام البنك لسحب أموالهم.
ليس هذا فقط!
ففي 8 مارس كان سعر السهم $270 و فى خلال 24 ساعة هبط السهم لـ106.6$.
الأمر الذي دفع السلطات الأمريكية لإيقاف التداول على سهم البنك.
وأعلنت سلطات ولاية كاليفورنيا أن البنك أصبح تحت الحراسة القضائية من قبل هيئة FIDIC.
ما هو مصير مودعى بنك سيليكون فالي ؟
بنك SVB كان مسجل لدى FIDIC بمعنى أن الودائع كانت مؤمنة بحد أقصى 250 ألف دولار.
لكن للأسف 97% من الودائع غير مؤمنة وذلك لان قيمتها تتخطى 250 الف دولار.
لذلك ستعمل هيئة FIDIC على إدارة عملية إعادة الأموال للمودعين كاملة على قدر المستطاع.
وفقاً لتصريحات متداولة ستبدأ الهيئة في تسديد 250 ألف دولار لصالح المودعين بداً من الأثنين القادم و ستعمل على بيع الأصول الأخرى لتسوية الودائع التي تتخطى قيمتها 250 الف دولار.
وفقا للتقارير قد يستلم أصحاب الودائع الكبيرة دفعة أولية تمثل 30% إلى 50% من ودائعهم.
ما هو مصير الشركات التى تمتلك أموال في بنك SVB؟
فى الواقع يبدو مصير هذه الشركات مظلم.
فوفقاً لتصريح Garry Tan المدير التنفيذي لشركة Ycombinator أحد أكبر حاضنات الاعمال فى سيليكون فالي فإن هذا الحدث فى مستوى الإنقراض و قد يؤدي لتاخر التكنولوجيا و التطور لمدة 10 لسنوات.
كما أضاف Garry أن أكثر من 50% من الشركات الناشئة التي يعمل معها لن تستطيع تسديد أجور موظفيها هذا الشهر إذا لم يتم إيجاد حل لهذه الكارثة.
هل تقدم الحكومة الأمريكية يد العون لبنك Silicone Valley كما حدث في 2008 ؟
تداول العديد من المستثمرين فكرة أن هذا الحدث قد يكون بداية انتكاسة اقتصادية كبيرة فى أمريكا ولذلك يجب على الحكومة أن تقف فى صف القطاع المصرفى.
لكن يبدو أن وزارة الخزانة الامريكية لن تكرر نفس سيناريو 2008.
فوفقاً لتصريح Janet Yellen لن يتكرر سيناريو إنقاذ البنوك مرة أخرى.
لكن بالرغم من ذلك لا تزال الحكومة الامريكية تراقب الأمر عن كثب وقد تختلف الرؤية فى أي وقت.
انهيار بنك SVB يؤثر على العملات الرقمية
لم ينقضي أسبوع على إفلاس بنك Silvergate وتأثيره على سوق العملات المشفرة و ها نحن أمام انهيار بنك أمريكي جديد.
كانت USDC الضحية فى هذه المرة.
ففي عشية إغلاق بنك SVB أعلنت شركة Circle المصدرة لعملة USDC انها كانت تحتفظ بجزء من الاحتياطي النقدي في بنك SVB.
لم توضح Circle فى الإعلان عن مدى تأثرها لكن المفاجاة كانت عندما أعلنت Circle فى إعلان أخر أنها كانت تحتفظ بـ3.3 مليار دولار فى البنك.
كان هذا الخبر كفيل بنشر الخوف بين مالكى العملة المستقرة لدرجة أن سعرها هبط بأكثر من 10% فى اليوم التالى.
لكن سرعان ما خرجت Circle لتهدئ من الموقف نوعاً ما وتوضح أنها مستعدة لاستخدام مواردها الخاصة لتغطية أي خسائر.
ما هو مصير بنك سيليكون فالى ؟
فى الواقع 48 ساعة القادمة ستكون حاسمة.
فمع بداية أسبوع العمل سنرى مدى تأثر الكارثة بشكل حقيقي و هل بالفعل ستكون هذه بداية الإنهيار لبنوك أخرى.